تفسير قوله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ

فتاوى الشيخ ابن باز عدد الزيارات: 25576 طباعة المقال أرسل لصديق

فسروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: (( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))[الزمر:3]؟


مثل ما تقدم، نعم، هم اتخذوهم من دون الله، عبدوهم من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى، كقولهم: ما نعبدهم يعني يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. وقبلها يقول جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) سورة الزمر، ثم قال سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ. يعني العبادة الخالصة له وحده جل وعلا، ليس له شريك في ذلك، كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء (5) سورة البينة. وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) سورة غافر. ولهذا قال سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ. ثم قال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. يعني يقولون هؤلاء المتخذون يقولون: ما نعبدهم -يعني هؤلاء الآلهة الأصنام، والأشجار، والأحجار، والأنبياء، وغيرهم- إلا ليقربونا إلى الله زلفى، يعني ما نعبدهم؛ لأنهم يخلقون، أو يرزقون، أو ينفعون، أو يضرون، لا، هم يعرفون أن الله هو النافع الضار، يعرف المشركون الأولون من قريش وغيرهم، يعرفون أن الله هو النافع الضار، وهو الخلاق الرزاق، وهو المدبر، والمحيي، والمميت يعرفون هذا. كما قال جل وعلا آمراً نبيه أن يسألهم، قال سبحانه لنبيه: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْر قال تعالى: فَسَيَقُولُونَ اللّهُ يعني يقوله المشركون فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) سورة يونس. يعني قل لهم يا محمد أفلا تتقون الإشراك بالله، وأولها يقول سبحانه: قُلُأي قل يا محمد للناس، قريش وغيرهم مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ، يعني من هو الذي يرزقكم من السماء والأرض، يعني يرزق العباد من السماء والأرض، يرزقهم من السماء بالمطر وغيره، ومن الأرض بالنبات، الذي ينبته الله من الثمار والحيوانات التي في الأرض والمعادن وغير ذلك، أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ، هو الذي يملك سمع الناس وأبصارهم، وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ يعيني في العالم كله، قال تعالى: فَسَيَقُولُونَ اللّهُ، يعني هؤلاء المشركون سيقولون الله، هو المدبر للأمور والخلاق والرزاق وهو النافع الضار وهو الذي يحي ويميت سبحانه وتعالى، فسر إخراج الحي من الميت إخراج المسلم من الكافر، والميت من الحي الكافر من المسلم، وفسر بإخراج البيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، والنبات من الأرض الميتة كل هذا نوع من إخراج الحي من الميت، والميت من الحي، فالمقصود أن المشركين من عبدة الأوثان يعرفون الله سبحانه هو النافع والضار وهو مدبر الأمور، وهو الخلاق الرزاق، ولكنهم يعبدون الآلهة ليشفعوا لهم، وليقربوهم إلى الله زلفى، لا؛ لأنهم ينفعون ويضرون بخلاف الكفار المشركين المتأخرين هؤلاء قد وقعوا في الشرك الأكبر من جهة الربوبية، بعض المشركين المتأخرين شركهم أكبر من أولئك المشركين، لأنهم أشركوا مع الله في الربوبية، وظنوا أن بعض آلهتهم يدبرون الأمور، ويتصرفون في الأمور، وينفعون ويضرون، وأن الله جعل لهم هذا، وهذا باطل، هذا كفر في الربوبية، شرك في الربوبية أعظم وأقبح من شرك قريش وأشباههم، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) سورة الزمر. فسماهم كذبة في قولهم إنهم يقربونهم زلفى، كفار؛ لأنهم عبدوهم مع الله، ودعوهم، واستغاثوا بهم، ونذورا لهم، وتقربوا لهم، فصاروا بهذا كفارا؛ ولهذا قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) سورة الزمر، يعني لا يوفقه لقبور الحق ولا الهداية، وإلا البلاغ، قد بلغهم سبحانه بالرسل والكتب لكن لا يهديهم: لا يوفقهم بسبب إعراضهم عن الحق، واستكبارهم عن الحق، وعنادهم للرسل نسأل الله العافية والسلامة.