تفسير سورة البروج

فتاوى الشيخ ابن باز عدد الزيارات: 16121 طباعة المقال أرسل لصديق

يسأل سماحتكم -جزاكم الله خيراً- تفسير سورة البروج؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ذكر الله -جل وعلا- في البروج حالة الذين اعتدوا على المسلمين وحرقوهم وفتنوهم تحريضاً للمسلمين من أعمالهم الخبيثة وحثاً على الصبر على ما يبتلى به العبد، ولهذا قال جل وعلا: والسماء ذات البروج * واليوم الموعود* وشاهد ومشهود أقسم بالسماء -سبحانه وتعالى - ذات البروج، وهي النجوم العظام، في قول جماعة من المفسرين، والله يقسم بخلقه بما يشاء سبحانه وتعالى، له أن يقسم بالسماء وبغيرها كما أقسم بالطور وبالذارايات وبالضحى والليل إذا يغشى إلى غير ذلك، لأنها آيات دالة على قدرته العظيمة، وأنه الخلاق العظيم سبحانه وتعالى، وأنه القادر على كل شيء، أما العبد فليس له أن يحلف إلا بالله، المخلوق ليس له أن يحلف إلا بربه، ولا يجوز الحلف بالأنبياء ولا بالملائكة ولا بالأمانة ولا بالأصنام ولا بشرف فلان ولا غير ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). ويقول عليه الصلاة والسلام: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) خرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح. في أحاديث كثيرة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا)، وقوله سبحانه: واليوم الموعود، يعني يوم القيامة، وقوله: وشاهد ومشهود، الشاهد هو يوم الجمعة، في قول جماعة من أهل العلم، والمشهود هو يوم عرفة؛ لأنه يشهده الأمم الكثيرة من الحجاج، وهما يومان عظيمان، يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع وأفضلها، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يرد فيها سائل، يستجيب الله فيها الدعاء، ويوم عرفة فيها وقفة الحجاج، وفيها دنو الرب من عباده سبحانه وتعالى، كما في الحديث الصحيح، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة، وإن الله سبحانه ليدنو فيباهي بأهل الموقف الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء). ويقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحج عرفة). ويقول صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عرفة -يعني من غير الحجاج- قال: (يكفر الله به السنة التي قبله والتي بعده). أما الحجاج فلا يشرع لهم صيام، بل ينهون عن صيام يوم عرفة في حال الحج، السنة أن يقف الحاج مفطراً لا صائماً، كما وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع مفطراً، وقوله جل وعلا: قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، يبين سبحانه وتعالى عظم جريمة أهل الأخدود، ولهذا: قتل أصحاب الأخدود، يعني لعنوا لجريمتهم العظيمة الشنعاء، حيث ألقوا المؤمنين في الأخدود إذا لم ينقادوا لباطلهم، فهذا يحذر من الاستجابة لأهل الباطل، ويدل على أن الواجب على المؤمن أن يحذر أسباب الهلاك، وأن يبتعد عن الباطل وأهله، وفي شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- شرع الله للمكره أن يدفع الإكراه بالاستجابة إلى ما طلب منه مع طمأنينة قلبه بالإيمان، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، أن المكره إذا أكره على الكفر والضلال فله أن ينطق به متابعة لهم ودفعاً للظلم مع إيمان قلبه وطمأنينة قلبه بالإيمان، ويسمى المكرَه، كما في قوله جل وعلا: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [(106) سورة النحل] فإذا ألزموه بالكفر أن يحرقوه أو يقتلوه أو يضربوه فله أن ينطق بالكفر مع الإيمان والطمأنينة في القلب، كما فعل بعض الصحابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأذن لهم النبي في ذلك- عليه الصلاة والسلام-، فالإكراه بالضرب أو القتل أو نحو ذلك مما يضر العبد ضرراً بيناً يبيح له أن يتكلم بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئن بالإيمان، وإنما قالها موافقة على دفع الشر، باللسان فقط، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة وإحسانه إليها سبحانه وتعالى، قال تعالى: وما نقموا منهم أي من هؤلاء الذين ألقوا في النار وهم أصحاب الأخدود، وما نقم منهم المشركون الكفار الظلمة إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد يعني ما عابوا عليهم ولا عاقبوهم إلا من أجل إيمانهم، وهذا عيب هو محل المدح، هو عيب عند أهل الباطل ولكنه مدح وشرف لأهل الإيمان، فنسأل الله العافية والسلامة.