تفسير قوله(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)

فتاوى الشيخ ابن باز عدد الزيارات: 21286 طباعة المقال أرسل لصديق

يسأل عن تفسير آية هي قول الحق تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا))[الإسراء:36]؟


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فهذه الآية الكريمة مظمونها التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر ما لا يحل لك أو تعتقد ما لا يحل لك، فأنت مسئول عما سمعت وعما نظرت إليه وعما اعتقدته بقلبك، والفؤاد هو القلب، والإنسان مسؤول عن سمعه وبصره وفؤاده، فعلى المؤمن أن يتقي الله في سمعه وبصره وقلبه، وألا يسمع ما حرم الله عليه من سماع الأغاني، الأغاني وآلات اللهو، أو سماع الغيبة والنميمة، لما فيهما من الضرر العظيم، أو ما أشبه ذلك مما يضر سماعه فليستمع الخير، كاستماعه للقرآن الكريم وللسنة المطهرة أو للأحاديث المفيدة، وسماعه لكلام أهله المباح، أو كلام إخوانه وما أشبه ذلك مما هو مباح، أما المحرم فليحذر، ومن ذلك أن يستمع لقوم يكرهون سماعه ولا يرضون أن يسمع حديثهم ولا يجوز له ذلك، كما في الحديث في الصحيح عن رسول الله عليه وسلم: (من سمع حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة)، رواه البخاري، الآنك يعني الرصاص، هذا تحذير من سماع أحاديث الناس وهم يكرهون ذلك، كأن تستمع لهم من عند الباب سراً أو من طاقة أو من سماعة التلفون أو ما أشبه ذلك، ليس لك أن تستمع حديث قوم يكرهون ذلك، لهذا الحديث العظيم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من تسمع حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة)، يعني الرصاص، نسأل الله العافية، وهكذا البصر، أنت مأمور بغض البصر عما حرم الله، غض البصر عن النسوان، عن النساء، لئلا تفتن بهن، كما قال جل وعلا: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، تغض بصرك عما حرم الله عليك من النساء، الأجنبيات، كزوجة أخيك أو زوجة عمك، أو ما أشبه ذلك من غير المحارم، وهكذا عن المردان إذا خشيت الفتنة، تغض بصرك عن النظر إلى الأمرد إذا خشيت الفتنة، وهكذا ما أشبه ذلك مما يحرم النظر إليه كعورات الناس، ليس لك أن ترى عورات ولا من خلال بيوتهم، لأنك ممنوع من ذلك، وهكذا يجب عليك أن تحذر الاعتقادات الباطلة، بل يجب أن تنـزه قلبك وعقلك عما حرم الله، فلا تعتقد ما حرم الله عليك من حل ما حرم الله، أو اعتقاد عدم وجوب ما أوجب الله، أو عملاً بقلبك مما حرم الله، كاعتقاد مثلاً أن الزنا حلال، هذا من مرض القلب، وهو كفر نسأل الله العافية، وهكذا اعتقاد أن شرب الخمر، حلال، وهذا من مرض القلب وهو كفر أكبر نسأل الله العافية، وهكذا سوء ظنك بالله وسوء ظنك بإخوانك من غير دليل، هذا أيضاً من مرض القلب، وهكذا قنوطك عن رحمة الله وأمنك من مكر الله، كلها أعمال قلبية خطيرة منكرة من كبائر الذنوب، وهكذا النفاق مرض قلبي كونك تظهر الإسلام وتعتقد الكفر والنفاق في قلبك، تعتقد أن الرسول ليس بصادق أو أن الدين ليس بحق، أو ما أشبه هذا من اعتقادات أهل النفاق، والخلاصة أن السمع والبصر والفؤاد كلها يجب أن تصان عما حرم الله، عليك أن تصون سمعك عما حرم الله، وبصرك عما حرم الله، وقلبك عما حرم الله، وأن تنظر وتسمع لما ينفعك ويرضي الله عنك أو ما أباح الله لك، وتعتقد في قلبك ما شرعه الله وما أباح الله تعمل بذلك كحب الله ورسوله، خوف الله ورجائه كلها هذه أعمال قلبية مطلوبة، كحسن الظن بالله، اعتقاد أنه الواحد الأحد المستحق للعبادة، واعتقاد ما أوجب الله عليك، كالصلاة والصوم، تعتقد هذا بقلبك أن الله أوجب الصلاة على المكلفين من المسلمين وأوجب الزكاة لمن لديه مال فيه الزكاة، أوجب صوم رمضان لمن استطاع ذلك، أوجب الحج على من استطاع ذلك، وهكذا وأنت مسؤول عن هذه كلها، يوم القيامة، فإن كنت حافظت عليها وصنتها سلمت، وحمدت العاقبة، أما إن كنت أسأت التصرف ولم تصنها عما حرم الله، فإنك على خطر عظيم، وفيه تفصيل كما تقدم.